غاية الحوار سيادة التفكير العقلاني، والاستعداد لسماع وجهة نظر المخالف. والحوار ذو النزعة السياسية أو الفكرية ينشأ على فرضية الاختلاف في الدين والثقافة والوعي العام. وهذا حوار تمليه ضرورات التعايش وأهمية تبادل المصالح.
لكن الأمر يبدو غريبا لمن يراقب من الخارج خلافا ينشأ بين أطراف تنتمي لبلد واحد يدينون بدين واحد ويحتكمون في مرجعيتهم الفكرية والاجتماعية لثقافة واحدة. هذا الخلاف قد يبدو ظاهريا سهلا ومرنا، لكن واقع الحال يعكس أزمة، بل أزمات توصل اضطرارا إلى خلاف عميق جدا.
تزايد التباعد بين النخب أدى لغياب ثقافة الحوار، وبات الأمر استدراكا على المخالف، وتصيدا للأخطاء، وتجييشا للعامة ضد المخالف. ولا يسلم من ذلك من يصنف نفسه سنيا أو شيعيا، أو لبراليا، أو تكفيرا. كلهم متربص غير قابل لسماع منطق الطرف الآخر. ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة أدى لرفض المختلفين في الفكر، وفي تصورهم عن المجتمع والتعايش وقبول مبدأ المواطنة. هل يعقل أن يصبح من حق البعض نفي جدارة المواطنة للمخالف لأنه فقط اختلف معه في رأي حول قضية اجتماعية؟!
تزداد القضية حدة عندما يتوجه المخالف لأتباعه يوغر صدورهم، ويزرع الكراهية في نفوسهم تجاه من يختلف معه في الفكر. الأخطر هناك من يتألى على الله ويفترض عقوبة الله سلفا، وكأن الأمر بوسعه أن يعاقب من اختلف معه. مقاييس الله سبحانه وتعالى تختلف عن مقاييس أحكام البشر المجبولة على النقص والانحياز للذات الخاصة والعامة.
نختلف مع الآخر دون أن نفصل في الاختلاف خاصة عندما يصل الأمر لعامة الناس، لحظتها نكتفي بالقول بما يهيج العامة. نقول للعامة بكل بساطة إن ذاك المختلف ليس على الدين الصحيح. وفي الحقيقة أن من يدعي فساد المختلف فهو لا يخلو من نوايا مسبقة مهما كان انتماؤه. الأولى دائما ترك الباب مواربا من حيث الاعتقاد بنسبية ما لدينا من يقين حتى لا نخسر الآخرين وهم أبناء دين واحد، لكن منظوراتهم للحياة مختلفة.
قد لا يروق هذا الكلام للمتعصبين للرأي الأوحد من أي طرف، لكن الحق أن نقول إن بلادنا بحاجة للعقل والتدبر، بحاجة للتعامل مع العامة بيسر وعدم حمل الناس على الكراهية. لنستبدل خصومتنا بالحوار، ولنسترجع المرجعية الواحدة التي تجمعنا، وذلك خير من المباعدة والمباغضة.
حاجتنا للحوار أدت لضرورة إنشاء مركز الحوار الوطنى، ومن أبرز أهدافه التي قام عليها هو التقريب بين التيارات المختلفة فكريا حول قضايا تمس التماسك الوطني. بمعنى أن الأمر ليس مجرد حوار من أجل الترف، بل حكم الضرورة كان حاسما. نشأ هذا المركز في لحظة فارقة أحس الجميع بخطرها، وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت الجميع في سلة واحدة، وطن بكامله تحت المجهر. أذكر أن البدايات الأولى كانت مشجعة من حيث اجتماع الفرقاء حول طاولة الحوار ربما يجلس البعض لأول مرة مع الآخرين، اجتمع السني مع الشيعي مع اللبرالي في مشهد بدا مصالحة وطنية كبرى، واجتماعا من أجل وطن تسوده لغة الحوار. للأسف خذلت النخب هذا المركز وتنصلت من مواصلة الحوار رغم استمرار المركز في أداء رسالته. ولعل من أساب تعثر الحوار الوطني أن أرضيته لم تكن بإرادة المتحاورين، بل من رغبة عليا لتسهيل التقارب بين الفرقاء رغم أنهم في دخيلتهم غير مؤمنين بقيم الحوار. والنتيجة بقيت المواقف متوترة والتصورات محسومة سلفا.
ما يسوء في غياب الحوار هو حالة التمترس خلف القناعات، والمواقف المسبقة من كل رأي مخالف. ولو بقي الأمر داخل حدود بلادنا لهان الأمر، لكن لأن بلادنا انكشفت للعالم مع وسائل التواصل الحديثة، فصار أدنى حدث يضخم حتى يخرج عن سياقه الطبيعي. والرأي العام يستخدم هذه القضايا لإحراج بلادنا في المحافل الدولية وخاصة في قضايا حقوق الإنسان. فخلاف الرأي بين النخب داخل البلاد يستثمر للنيل من المملكة دون النظر لأنها اختلافات فكرية تحصل في أي مجتمع. المشكلة يمكن أن تنتهي داخليا دون تصعيدها من خلال المحاكم، وخاصة إذا نظرنا إليها على أنها قضايا خلاف فكري يجوز فيها الرأي والرأي الآخر. ومن يتابع مناقشات منظمات حقوق الإنسان في العالم يدرك أن كثيرا مما يؤخذ على المملكة يمكن حسمه هنا، وخاصة إذا كان الأمر خلافا حول الأفكار دون المساس بهيبة البلاد. من هنا لا للانحياز الرسمي في قضايا الرأي الفكري لنخبة على حساب نخبة أخرى، بل ينبغي فتح باب الحوار ووسائل الإقناع العلمي كفيلة بتقريب مسائل الاختلاف.
لكن الأمر يبدو غريبا لمن يراقب من الخارج خلافا ينشأ بين أطراف تنتمي لبلد واحد يدينون بدين واحد ويحتكمون في مرجعيتهم الفكرية والاجتماعية لثقافة واحدة. هذا الخلاف قد يبدو ظاهريا سهلا ومرنا، لكن واقع الحال يعكس أزمة، بل أزمات توصل اضطرارا إلى خلاف عميق جدا.
تزايد التباعد بين النخب أدى لغياب ثقافة الحوار، وبات الأمر استدراكا على المخالف، وتصيدا للأخطاء، وتجييشا للعامة ضد المخالف. ولا يسلم من ذلك من يصنف نفسه سنيا أو شيعيا، أو لبراليا، أو تكفيرا. كلهم متربص غير قابل لسماع منطق الطرف الآخر. ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة أدى لرفض المختلفين في الفكر، وفي تصورهم عن المجتمع والتعايش وقبول مبدأ المواطنة. هل يعقل أن يصبح من حق البعض نفي جدارة المواطنة للمخالف لأنه فقط اختلف معه في رأي حول قضية اجتماعية؟!
تزداد القضية حدة عندما يتوجه المخالف لأتباعه يوغر صدورهم، ويزرع الكراهية في نفوسهم تجاه من يختلف معه في الفكر. الأخطر هناك من يتألى على الله ويفترض عقوبة الله سلفا، وكأن الأمر بوسعه أن يعاقب من اختلف معه. مقاييس الله سبحانه وتعالى تختلف عن مقاييس أحكام البشر المجبولة على النقص والانحياز للذات الخاصة والعامة.
نختلف مع الآخر دون أن نفصل في الاختلاف خاصة عندما يصل الأمر لعامة الناس، لحظتها نكتفي بالقول بما يهيج العامة. نقول للعامة بكل بساطة إن ذاك المختلف ليس على الدين الصحيح. وفي الحقيقة أن من يدعي فساد المختلف فهو لا يخلو من نوايا مسبقة مهما كان انتماؤه. الأولى دائما ترك الباب مواربا من حيث الاعتقاد بنسبية ما لدينا من يقين حتى لا نخسر الآخرين وهم أبناء دين واحد، لكن منظوراتهم للحياة مختلفة.
قد لا يروق هذا الكلام للمتعصبين للرأي الأوحد من أي طرف، لكن الحق أن نقول إن بلادنا بحاجة للعقل والتدبر، بحاجة للتعامل مع العامة بيسر وعدم حمل الناس على الكراهية. لنستبدل خصومتنا بالحوار، ولنسترجع المرجعية الواحدة التي تجمعنا، وذلك خير من المباعدة والمباغضة.
حاجتنا للحوار أدت لضرورة إنشاء مركز الحوار الوطنى، ومن أبرز أهدافه التي قام عليها هو التقريب بين التيارات المختلفة فكريا حول قضايا تمس التماسك الوطني. بمعنى أن الأمر ليس مجرد حوار من أجل الترف، بل حكم الضرورة كان حاسما. نشأ هذا المركز في لحظة فارقة أحس الجميع بخطرها، وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي وضعت الجميع في سلة واحدة، وطن بكامله تحت المجهر. أذكر أن البدايات الأولى كانت مشجعة من حيث اجتماع الفرقاء حول طاولة الحوار ربما يجلس البعض لأول مرة مع الآخرين، اجتمع السني مع الشيعي مع اللبرالي في مشهد بدا مصالحة وطنية كبرى، واجتماعا من أجل وطن تسوده لغة الحوار. للأسف خذلت النخب هذا المركز وتنصلت من مواصلة الحوار رغم استمرار المركز في أداء رسالته. ولعل من أساب تعثر الحوار الوطني أن أرضيته لم تكن بإرادة المتحاورين، بل من رغبة عليا لتسهيل التقارب بين الفرقاء رغم أنهم في دخيلتهم غير مؤمنين بقيم الحوار. والنتيجة بقيت المواقف متوترة والتصورات محسومة سلفا.
ما يسوء في غياب الحوار هو حالة التمترس خلف القناعات، والمواقف المسبقة من كل رأي مخالف. ولو بقي الأمر داخل حدود بلادنا لهان الأمر، لكن لأن بلادنا انكشفت للعالم مع وسائل التواصل الحديثة، فصار أدنى حدث يضخم حتى يخرج عن سياقه الطبيعي. والرأي العام يستخدم هذه القضايا لإحراج بلادنا في المحافل الدولية وخاصة في قضايا حقوق الإنسان. فخلاف الرأي بين النخب داخل البلاد يستثمر للنيل من المملكة دون النظر لأنها اختلافات فكرية تحصل في أي مجتمع. المشكلة يمكن أن تنتهي داخليا دون تصعيدها من خلال المحاكم، وخاصة إذا نظرنا إليها على أنها قضايا خلاف فكري يجوز فيها الرأي والرأي الآخر. ومن يتابع مناقشات منظمات حقوق الإنسان في العالم يدرك أن كثيرا مما يؤخذ على المملكة يمكن حسمه هنا، وخاصة إذا كان الأمر خلافا حول الأفكار دون المساس بهيبة البلاد. من هنا لا للانحياز الرسمي في قضايا الرأي الفكري لنخبة على حساب نخبة أخرى، بل ينبغي فتح باب الحوار ووسائل الإقناع العلمي كفيلة بتقريب مسائل الاختلاف.